صفحة الخواطر

 

الحمدلله و الصلاة و السلام على رسول الله قال الله تعالى

( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)  صدق الله العظيم

 

هذه الآية الكريمة قد تضمنت الأمر بالتزام ما يقوله العبد و

نبهت على أنه لا يجوز أن يقول العبد ما لا يفعل و بسبب الغفلة عن هذه الآية و أمثالها فإن كثيرا من الناس في هذه الأزمان المتأخرة قد أصيبوا بداء عجيب و مرض خطير ،و هذا الداء و المرض ليس مما يظهر على الأبدان و الجوارح و إنما هو  مرض في السلوك و خلل في الأقوال و الأفعال.

وهذا المرض هو تناقض القول مع الفعل و أسباب ذلك عديدة وكثيرة جدا ولكن السبب الرئيسي هو البعد عن الله و الدين الإسلامي وعن سنة الرسول صلى الله عليه و سلم..... وما أجمل مقالة ابن عقيل الحنبلي( لو تمسك الناس بالشرعيات تمسكهم بالخرافات لاستقامت أمورهم )

و أما  تعريف التناقض فهو :

جاء في كتاب ((لسان العرب))..أن النقض : إفساد ما أبرمت من  عقد أو بناء.

فمن التناقضات:أن ترى جرأة الكثير من الناس و إقدامهم على إصدار الفتاوى و الحكم بالتحليل و التحريم فترى الواحد منهم قد أعطى نفسه حق الاجتهاد المطلق في حين أنك لو نظرت  إليه لوجدته عريانا من  أهل العلم و لرأيت جهله فوق جهل الجاهلين

قال الله تعالى ( و لا تقف ما ليس لك به علم إن  السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ).

يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي يا لله العجب !! لو ادعى رجل معرفة صناعة من صنائع الدنيا، و لم يعرفه الناس بها و لا شاهدوا عنده آلاتها لكذبوه في دعواه و لم يؤمنوا على أموالهم و لم يمكنوه أن يعمل بها لما يدعيه من تلك الصناعة فكيف بمن يدعي أمر الرسول صلى الله عليه و سلم و ما شوهد قط يكتب علم الرسول  و لا يجالس أهله و لا يدارسه ؟ فلله العجب كيف يقبل أهل العلم دعواه و يحكمونه في أديانهم يفسدها بدعواه الكاذبة  

ومن النتاقضات:أن ترى كثيرا من الآباء  يستشعر مسئوليته تجاه أولاده و أهل بيته فتراه يتعب و يكدح و يجهد نفسه ليضمن الراحة لهم و لأجل توفير المأكل و المشرب و المسكن لهم

و إذا أصاب أحد أولاده مكروه رأيت أثر الحرن و الهم عليه و هذا كله من تمام شفقة الوالد و هو أيضا جزء من القيام بمسؤولية الأب تجاه أبنائه و لكن الشيء الذي يستغرب أن ترى هذا الأب الشفيق الحريص على أولاده لا يحزن و لا يغضب إذا علم أن ابنه لا يصلي ، أو يصاحب رفقة سوء أو يسمع الغناء أو يقرأ ما يضره وإذا نوصح الأب في ذلك قال : الهداية بيد الله و الذي هدى الكبير يهدي الصغير إن شاء. أليس هذا من التناقض ؟

 

 

إن هذا الأب يحزن لأوجاع أولاده و يصيبه الغم لو مرضوا و يتطفر قلبه لو نزلت بهم مصيبة  لكنه في الوقت نفسه لا يشفق عليهم من سخط الله ، و لا يخشى عليهم من عقوبة خالقهم و لا يخاف عليهم من نار و قودها الناس والحجارة عياذا بالله منها . 

ومن التناقضات : 

تساهل الناس في تزويج تارك الصلاة فترى الولي إذا تقدم إليه خاطب يرضى حسبه و نسبه فإذا سأل عنه فقيل له : هو تارك للصلاة . قال :هذا أمر يهون فكم من تارك للصلاة هداه الله و يقول المهم أن لا يشرب المسكر و لا يتعاطى المخدرات  ...... و ما علم هذا المسكين أن تارك الصلاة شر عند الله من شارب الخمرة و من الزاني و من آكل الربا بل لو اجتمعت هذه الكبائر كلها في شخص و احد فإنه يبقى خيرا من تارك الصلاة و لو كان الأخير شريفا عفيفا ،

قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى (بل تارك الصلاة شر من السارق و الزاني و شارب الخمر و آكل الحشيشة ) و مع عظم جرم تارك الصلاة نرى بعض الأولياء لا يلقون اهتماما لهذا الأمر فتراهم يجعلون أمر الصلاة في آخر المطاف و هذا من التفريط في جانب كبير من المسؤولية .  

ومن التناقضات:

أن ترى الناس إذا نقصهم شيء من حوائج معيشتهم أو كماليات حياتهم فإنهم يغضبون لذلك و ينكرونه جميعا صغيرهم قبل كبيرهم و الجاهل منهم قبل المتعلم و ذكرهم قبل أنثاهم فمثلا لو انقطع تيار الكهرباء أو تعطلت خطوط الهاتف فإنك ترى الناس يشكون و يكتبون و يتراسلون و لكن أين هذا الإنكار الجماعي  إذا علم أن محلا يبيع بما حرم الله ؟ و أين هذا الإنكار إذا علم الناس أن فلانا يجاهر بالمعصية ؟ و أين هذا الإنكار إذا علمنا أن فلانا من الناس قد حارب طاعة لله  أن تقام أو تنشر ؟ 

لماذا نتعاون و ننكر إذا كان الأمر يتعلق بالدنيا فإذا انتهكت حرمات الله أصابنا الخور و ذهبت عزائمنا و صار شعارنا :(إن للبيت ربا يحميه )   و صرنا نلقي بالمسؤولية على غيرنا و نقول هذا من مسؤولية رجال الحسبة أو هو من مسؤولية العلماء إلى هذه الأعذار و الحجج التي هي أوهى من بيت العنكبوت و التي لا تكفي في إبرء الذمة عند الله عز وجل ـــ فكل من رأى منكرا فهو مأمور بتغييره بحسب استطاعته.

و إن سكوت الناس  عما يتعلق بأمر دينهم و فزعهم إذا فقدوا

 شيئا من حوائج دنياهم هو من التناقض الظاهر البين و هو دليل على ضعف الإيمان و محبة الدنيا و إيثارها على الآخرة و لقد صدق ذاك الشاعر حين قال :

            أخي من الرجال بهيمة.. في صورة الرجل السميع المبصر

فطن لكل مصيبة في  ماله.. وإذا يـــصاب بدينه لم يــــشعر 

و من التناقضات:أن ترى بعض الناس إذا كانوا في حفلة زواج و قدم إليهم شاعر أو مغن يلقي قصيدة فإنك ترى  منهم الإنصات التام و الإقبال على الاستماع و الإعجاب بهذا الشاعر أو المغني أما لو قدم إليهم طالب علم يفيدهم و يعلمهم فسوف ينصت إليه جماعة ممن في المجلس و لكن مقابل هؤلاء ستجد آخرين في المجلس قد أصابهم الضجر و الملل و تراهم يتمنون لو سكت المتكلم أو أنهى كلمته على عجل و هذا كله من التناقض و هو دليل على ضعف الإيمان فإن الله وصف المؤمنين فقال :(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم و إذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا مع إيمانهم )  فمن كان يتضجر من مجالس الذكر و لا يطيق الجلوس فيها  ففي إيمانه خلل و نقص و بخاصة إذا كان يستروح مجالس اللهو و لا يسأم أو يمل منها .

ومن التناقضات:

تفاخر كثير من الناس بأنسابهم و تعاليهم على من حولهم و هذه عادة جاهلية و سنة أول  من سلكها إبليس فهو أول من افتخر بأصله حين قال  (أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين) ولقد ذم النبي صلى الله عليه و سلم من يفخر بحسبه و جعل ذلك من خصال أهل الجاهلية فقال :(أربع من أمتي في أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب و الطعن في الأنساب و الاستسقاء بالنجوم و النياحة) ، ثم إن الفخر بالحسب و النسب دليل على ضعف في العقل فإن الإنسان إنما يفتخر و يتعالى على من حوله بسبب شرف أبيه أو جده ، فإن هذا من نقص العقل.

إذا افتخرت بآباء لهم شرف          قلنا صدقت و لكن بئس ما ولدوا

لقد رفع الإسلام سلمان فارس و صهيب الروم و بلال الحبشة ووضع النسيب أبا لهب القرشي الهاشمي . 

ومن التناقضات:

أن ترى بعض الناس ممن من الله عليهم بنعمة حب القراءة و الإطلاع و الرغبة في المعرفة فترى كثيرا من هؤلاء لا يستفيد من هذه الموهبة إلا في قراءة أشياء إن لم تضره فهي  لا تنفعه فتراه يجمع أنواعا من الصحف و ألوانا من المجلات و أصنافا من الروايات و القصص الفارغة فيقضي ساعات بل و  أياما من عمره القصير من غير أن يستفيد شيئا يقربه إلى الله .

إن محبة القراءة نعمة عظيمة ينبغي على العبد رعايتها و صرفها

فيما ينفعه ،   فمن رزق هذه النعمة فإن عليه أن يستفيد من وقته في قراءة القرآن و حفظه أو راءة الأحاديث النبوية أو النظر في كلام أهل العلم و الإطلاع على أقوالهم في المسائل التي يحتاج إليها الناس جميعهم ليستقيم لهم أمر دينهم و دنياهم . 

ومن التناقضات:

الإسراف في شراء الكماليات و التحف حتى يظن الداخل إلى ذلك المنزل أنه معرض للتحف و الآثار لما يرى من عشرات المباخر و الأباريق و غيرها مما يكون على شاكلتها و قد تبلغ قيمتها آلاف الريالات .  

بينما لو طلب من صاحبها أن يساهم بمبلغ من المال في طبع كتاب أو شراء كتاب يوزع على المسلمين لأبدى اعتذاره و أسفه (( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ))  

ومن التناقضات:

ما يتعلق بتربية الأولاد فيلاحظ على بعض الآباء أنهم يلقنون أطفالهم ألفاظا جاهلية كالتفاخر بالأوطان و الأنساب و الأحساب أو يعودونهم حركات مستهجنة كالرقص مثلا فينشأ ذلك الطفل على هذه الأمور.

وينشأ ناشئ الفتيان فينا                    على ماكان عوده أبوه

و الأدهى من ذلك أن أولئك الآباء يفتخرون بتلك التربية و يشيع في كل مجلس أن طفله يقول كذا و كذا. و لو قلت لذلك الأب هل عودت طفلك على نطق كلمة التوحيد أو البسملة لاستثقل ذلك منك و قال هو جاهل لا يفقه شيئا لقد قال ابن القيم رحمه الله (فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله) و ليكن أول ما يقرع مسامعهم معرفة الله سبحانه و توحيده و أنه سبحانه فوق عرشه ينظر إليهم و يسمع كلامهم و هو معهم أينما كانوا و كان بنو إسرائيل كثيرا ما يعلمون أولادهم بــ(عما نويل ) و معنى هذه الكلمة إلهنا معنى فكيف نحن المسلمون لا نذكر الله إلا قليلا جدا  أمام أولادنا  !!!!!!!!! 

 

 

has12mj@icqmail.com
رجوع الى الصفحة الرئيسية