سورة الإسراء ونهاية إسرائيل


قال تعالى"سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من من آياتنا إنه هو السميع البصير، وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدي لبنى إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا، وقضينا إلى بنى إسرائيل لتفسدن في الأرض مرّتين ولتعلن علواً كبيراً، فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً، ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها، فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءا وجوهكم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مره ، وليتبروا ما علوا تتبيراً،عسى ربكم أن يرحمكم ، وإن عدتم عدنا ،وجلنا جهنم للكافرين حصيراً" 1-8 الإسراء
لقد كثر الحديث في أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة عن تفسير هذه الآيات الكريمات من سورة الإسراء التي اسمها أيضا سورة " بنى إسرائيل " وأشد ما كان يحزنني أن كثيراً من علمائنا الأفاضل الذين تعرضوا لهذه الآيات قد فسروها بما يخالف المنطوق اللغوي أحياناً أو مخالفين للوقائع التاريخية الثابتة. والمتفق عليها بين المؤرخين الذين حققوا وكتبوا تاريخ بنى إسرائيل أحيانا أخرى،والبعض قد خالف بتفسيره وقوله المنطوق اللغوي المحض والواقع التاريخي معاً بالرغم من المركز العلمي المرموق الذي يشغله ،ففسر على سبيل المثال قوله تعالى "ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة " بحادثة هزيمة 1967 التي دخل اليهود فيها المسجد الأقصى واستولوا عليه ،ومن ثم اعتبر الإساءة لوجوه المسلمين العرب ، والخطاب لهم، مع أن الخطاب في السياق لبنى إسرائيل ،وهذا قول في كتاب الله تعالى بالرأي السطحي القائم على غير فهم وغير دراسة وبدون الرجوع لأقوال المفسرين لا القدامى منهم ولا المحدثين والمعاصرين ،ويعتبر هذا جرأة منه على كتاب الله
ولقد قال المفسرون حول تفسير هذه الآيات في عدة مسائل وسأحاول بعون الله وتسديده الوصول للتفسير الصحيح والقول الفصل فيها
أما المسائل التي هي مثار الخلاف والجدل في هذه الآيات فيدور أهمها حول قوله تعالى " لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً " ن
وهو إخبار من الله تعالى لبنى إسرائيل في كتابهم بأنه سيكون منهم في مستقبل أيامهم إفسادتان اثنتان وعلو كبير واحد ، لأن معنى قوله تعالى " وقضينا إلى " أي أخبرناهم في كتابهم، لأن قضى إلى تعنى أخبر وأنبأ بخلاف قضى على .قال البعض في الإفساد تين: لقد حدثتا من قبل ،وقد قاله بعض المفسرين القدامى، وأخذ به بعض المحدثين والمعاصرين ، ولا عتب على القدامى،لأنهم لم يتصوروا أن اليهود يمكن-بعد أن ضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله- أن يكون لهم علو كبير في الأرض بعد قيام الخلافة الإسلامية المنيعة العزيزة وفى ظل الجهاد الإسلامي،ونسوا أن الله تعالى قد جعل لذلتهم ومسكنتهم استثناء بقوله تعالى "ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة"111آل عمران
كما نسوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن الإسلام بدأ غريب وسيعود غريباً وأن الأمم ستتكالب علينا كما تتكالب الأكلة على القصعة.وأننا سنقاتل اليهود في آخر الزمان وهم غربي الأردن والمسلمون شرقي الأردن: جهلوا أو نسوا هذا ، فقالوا لقد تمت الاثنتان ماذا قلنا لهم:وهذه التي نعيشها اليوم قالوا:جاء ذكرها في قوله تعالى "وإن عدتم عدنا "فقوله تعالى "لتفسدن في الأرض مرتين"ليس حاصراً لإفساد اليهود في اثنتين لأن الواقع يقول أنهم أفسدوا هنا وهنا وهناك وهناك ، ومن ثم قال تعالى "وإن عدتم عدنا "فالا فسادتان حدثتا قبل نزول القرآن في زعم أصحاب هذا الرأي ومن ثم فهذه المعاصرة هي التي يصدق عليها قوله تعالى"وإن عدتم عدنا"وهؤلاء قد أخطئوا لأن الإفساد الجزئي المحلى المتعدد التكرر لبنى إسرائيل أو اليهود في الأرض قد ذكرها الله تعالى بقوله ".....كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين "64 المائدة
هذا هو الإخبار بإفسادهم المتكرر، الإخبار عن أن الإفساد صار دينهم ومذهبهم وسبيلهم بين الناس. ومن ثم فلا بد أن يكون تحديد رب العالمين سبحانه الإفساد الكثير منهم بافسادتين اثنتين في معرض الإخبار بما سيكون منهم حتى آخر الزمان هو تحديد على سبيل الحصر ، وتكون كل واحدة منهما إفساده عامة شاملة تشتمل على العديد من الإفسادات المتكررة التي يصعب حصرها، فإذا علمنا أن التوراة نزلت على موسى عليه السلام منذ قرابة ثلاثة آلاف وخمسمائة عام فلا بد أن يكون ما يخبرهم الله تعالى به من الذي سيكون منهم من الإفساد شاملاً لكل إفسادهم وليس إخبارا عن إفسادتين محليتين فى موضعين محدودين من الأرض، بل لابد أن تكون كل إفساده منهما مشتملة على مرحلة طويلة من إفسادهم خلال زمن طويل طويل يستغرق قرابة خمسة عشر قرناً هي نصف المدة التي بين بدء الإفسادة الأولى وبين نهاية إفسادة الآخرة، وهذا معناه أن لكل إفسادة قرابة خمسة عشر قرناً من الزمان يؤكد هذا الاستنباط قوله تعالى "لتفسدن فى الأرض مرتين " هكذا بدون تحديد للفظ "الأرض " وهذا معناه أن كل إفسادة منهما عامة بجانب كونها شاملة أي أنها كذلك بالوصفين السابقين فى الزمان والمكان معاً ، فليس معنى الأرض فى آية الإفسادتين قاصراً على الأرض المقدسة إذ لم يرد ما يحددها ، فإفسادهم فى المرتين فى كل الأرض كما سأوضح هذا وأبينه بعد بإذن الله تعالى وعونه وتوفيقه
ويدل على هذا أن الإفسادة التي تبدأ وتنتهي بوعد من الله عز وجل بالقضاء عليها تستغرق ما بين 1400إلى 1500 عام ، وهذه الإفسادة ليست بالتأكيد جزئية محدودة وليست محلية قاصرة على فلسطين أو القدس يثبت هذا أيضاً أن الآية تثبت إفسادتين وعلواً كبيراً فى الأرض كلها واحداً وليس اثنين
وهذا معناه أن الأولى غير الثانية ، وفى زمن غير زمن الثانية ، والهدف منها غير الهدف من الثانية ،لأن الأولى إفساد بلا علو والثانية إفساد يؤدى إلى علو كبير فى الأرض ... ودليل قوله تعالى "لتفسدن فى الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً " فلو كان الإفساد فى المرتين محققاً للعلو الكبير لكان العلو مرتين
ولكن منطوق الآية يدل على أنه علو واحد لقوله "ولتعلن علواً كبيراً " ولو كان العلو مرتين لكان السياق كالآتي " لتفسدن ولتعلن فى الأرض مرتين " لكن الآية قصرت التكرار على الإفساد وأفردت العلو
ولقد أخطأ البعض حين ظنوا أن العلو مرتين مثل الإفساد وأدى هذا بهم إلى القول بأن دخول بني إسرائيل المسجد عام 1967 هو العلو الأول بالإفساد وأنه يتلوه بعد هذا علو ثان حدد الدكتور أحمد حجازي السقا حدوثه بأنه سيكون عام 3257 م بناء على نصوص فى سفر دانيال ظن أنها تصدق على الإفسادة الثانية . وهذا خطأ منه غفر الله تعالى لنا وله
والحق الذي أعتقده هو أن الإفسادتين والعلو الكبير فى الأرض لم يحدثا معاً من قبل كما أنهما لن يحدثا معاً من بعد ، وإنما هما اثنتان: حدثت واحدة وجاء عودها قبل نزول القرآن الكريم وهى الأولى آتى لم تكن مقرونة بعلو كبير فى الأرض ، بل ولم تنتج لهم علواً ولو ضئيلاً صغيراً ، بل أنتجت لهم انحداراً وتسفلاً وذله ومسكنة وضعفاً
ولكي نفهم لماذا هما إ فسادتان ، علينا أن نتذكر أن الله تعالى جعل سيدنا إبراهيم إماماً للناس ، وجعل الإمامة فى ذريته إلى يوم القيامة قال تعالى "وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين "124 البقرة ، ومعلوم أنه عليه السلام من ذرية نوح لذا قال تعالى عن بنى إسرائيل "ذرية من حملنا مع نوح أنه كان عبداً شكوراً" . ن
وقد جعل الله الإمامة أولاً فى ذرية اسحق عليه السلام الذي جاء من نسله يعقوب الذي هو إسرائيل ،وحيث أن مقومات الإمامة هي الكتاب والحكم والنبوة ، فقد جعل الله فى بنى إسرائيل الكتاب ، وأول الكتب التي نزلت عليهم التوراة ، التي نزلت على موسى عليه السلام أما النبوة فقد تمثلت أولا فى اسحق ، ثم فى يعقوب ، ثم فى يوسف ، ثم فى موسى وهارون ، وتتابع أنبياء بنى إسرائيل الذين نزلت على بعضهم كتب مثل داود وسليمان وأشعيا وحزيقال وأرميا ودانيال وغيرهم كثير حتى آخر أنبياء ورسل بنى إسرائيل وهو المسيح عيسى بن مريم عليهم السلام جميعاً
ولقد تضمنت رسالة الإنجيل المنزلة على عيسى عليه السلام بالتوحيد الخالص والإنذار النهائي لبنى إسرائيل بعزلهم عن الإمامة ، ونقلها إلى الفرع الذي ينتمي إلى ابن إبراهيم البكر إسماعيل عليهما السلام الذي لم يأت من ذريته إلا نبي ورسول واحد هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولم ينزل على هذا الفرع بالتالي إلا كتاب واحد هو القرآن الكريم ومعه السنة النبوية المطهرة ، ومن ثم كانت أهم مهام رسالة المسيح التبشير بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فهما فرعان إذن من ذرية إبراهيم عليه السلام ، فأقام أنبياء الفرع الأول : فرع اسحق وبنى إسرائيل الخلافة الإسلامية الموسوية التوراتية فى القدس فى عهد طالوت وداود وسليمان على التوالي عليهم السلام جميعاً
وأقام نبي الفرع الثاني نبي الإنسانية جميعاً خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين محمد بن عبد الله الهاشمي من ذرية إسماعيل الخلافة الإسلامية المحمدية القرآنية
وحيث أن الطاغوت النجس قد اتخذ من كفَرَة بنى إسرائيل فئة تعبده من دون الله تعالى ، وحيث أن الله عز وجل قد جعل من كَفَرَة بنى إسرائيل هؤلاء مع عبادتهم للطاغوت-خداماً وأعواناً منفذين مطيعين للجبت و للطاغوت أيضاً فإن الجبت والطاغوت قد استخدما كَفَرة بنى إسرائيل هؤلاء للإنسان للإفساد بقتل الأنبياء والكفر بآخر أنبيائهم المسيح بن مريم عليهما السلام ، وتلك هي الإفسادة الأولى
لقد كانت ذروة علو ومجد وقوة الخلافة الموسوية التوراتية فى عهدي داود وسليمان، حيث ضعفت كل الشعوب يوم إذن حتى دخلت فى حكمه ملكة سبأ وشعب اليمن ، ولكن هذا لم يكن علواً فى كل الأرض ، كما أنه لم يكن علواً بالإفساد ، بل هو علو بالإصلاح وبالحق الإلهي ، وبالتشريع الرباني وبالعدل والإحسان ، لأنه كان نتيجة للخلافة الإسلامية التي هي خلافة لله تعالى فى الأرض والتي كان كتابها التوراة والزبور
والدليل على هذا أقول هو قول الله تعالى "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا، أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً" 51-52النساء
وقال تعالى "قل هل ننبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل"60المائدة
وعبد معناها خدام وجنود وأعوان الطاغوت وهم كفرة بنى إسرائيل الذين اتخذوا الجبت والطاغوت منهم قيادة من أثنى عشر فرداً هم بدورهم يقودون بقية كفرة بنى إسرائيل فى الإفساد ، وهم حتى اليوم يشكلون قيادة الماسونية العالمية واسمهم كما يطلقون على أنفسهم (النورانيون) فكان العرف الاستراتيجي للجبت والطاغوت وخدامه من بني إسرائيل من الإفسادة الأولى هو إسقاط الخلافة الإسلامية الموسوية ، وليس من سبيل لإسقاطها إلا بالإفساد فبدأ مباشرة بعد موت سليمان عليه السلام عام 935 ق م وانقسمت الخلافة إلى دولتين : ن
الأولى : من ذرية يهوذا وبنيامين وبعض بني لاوي وكانت عاصمتها ( أورشليم ) ( القدس ) وكان ملوك هذه المملكة من سبط يهوذا من نسل داود عليه السلام وسميت مملكتهم مملكة يهوذا أو العبرانيين أو مملكة الجنوب أو اليهود أو اليهودية
الثانية : وشعبها من بقية بني إسرائيل واسمها مملكة السامريين أو مملكة إسرائيل أو المملة الشمالية وكانت عاصمتها شكيم ( نابلس ) ، وتم هذا التقسيم في عهد رحبحام بن سليمان عليه السلام ولقد دب الإفساد وأسرع في هذه المملكة الشمالية والجنوبية ومن ثم انتهت هذه المملكة على يد الملك الأشوري سنحاريب علم 721 ق م أي أنها استمرت 254 سنة ثم سباهم الأشوري وشتت ملكهم وقضى على دولتهم أما المملكة الجنوبية التي كانت عاصمتها القدس فقد كانت أكثر محافظة على شريعة التوراة وتمسكاً فنجاها الله تعالى من غزو سنحاريب وهزمه الله تعالى وعاد مدحوراً ومن ثم دامت بعدها 135 سنة أخرى فلما تم إفسادهم غزاها ملك بابل نبوخذ نصر عام 586 ق م
ومن ثم سقطة الخلافة الإسلامية الموسوية التوراتية تماماً عام 586 ق م وكان هذا هو وعد أولهما الذي نزل فيه قوله تعالى ( فإذا جاء وعد أولهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعد مفعولا) 5 الإسراء
ولكن الله عز وجل - وإن حرم بني إسرائيل من الخلافة وعاصمتها ودولتها - لم يعزلهم عن الإمامة عزلاً نهائياً وإنما أرسل لهم بعد هذا الحدث الجلل الخطير في حياة هذه الأمة الكتابية النبي بعد النبي لعلهم يتوبون ويعودون إلى ربهم ، لكنهم في الأسر البابلي حرفوا التوراة فأخفوا التوراة الحقيقة وكتب لهم المدعو عزرا توراة أخرى وزعموا بعد ذلك أنه ابن الله وازدادوا كفراً وطغياناً ، ولازالت الأنبياء تُبعث فيهم مصححين للكتاب لتجديد دين موسى عليه السلام لهم وهم يقتلونهم أو يكذبونهم حتى كان أخرهم سيدنا عيسى بن مريم عليهما السلام الذي حاولوا قتله فنجاه الله منهم ورفعه إليه ، وذلك بعد السبي البابلي وبدء عهد الشتات بقرابة 586 ق م سنة وهو عام عام دخول نبوخذ نصر عليهم مضافاً إليها 33 عاما عمر سيدنا عيسى عليه السلام قبل رفعه أي قرابة 619 عاماً
أي أن الله تعالى صبر عليهم هذه المدة لعلهم يعودون ويتركون الإفساد ، ولكن استمر إفساد بني إسرائيل بعد سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام فانقضوا على الإنجيل فحرفوه وحرفوا عقيدة النصارى في الله عز وجل وفي المسيح كما هو معلوم ومن ثم استمرت الإفسادة الأولى لبني إسرائيل في الأرض بعامة حتى مبعث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد ولد آدم عام 610 أو 611 م بيد أن ثمرة الإفسادة الأولى لبني إسرائيل المتمثلة في القضاء على الخلافة الإسلامية الموسوية كان عام 586 ق م على يد نبوخذ نصر البابلي واستمر عبدة الطاغوت في الإفساد حتى حالوا بين بني إسرائيل وبين دينهم الصحيح وقد جاءت الإشارة إلى هذه الخلافة الأولى للفرع الأول من فرعي إبراهيم ( عليه الصلاة والسلام ) بقوله تعالى : ( آتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلاً ، ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكورا ) 2 - 3 الإسراء
لأن سيدنا إبراهيم عليه السلام من نسل نوح عليه السلام فلما صار الحال ميؤوسا منه بعد تحريف الإنجيل في النصرانية ، تم عزلهم عزلاً أبدياً نهائياً عن الخلافة يهوداً ونصارى .. ببعث المصطفى صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم
وكان الإسراء به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى للصلاة بجميع الأنبياء والرسل إعلاناً بنقل ولاية المسجد الأقصى من الفرع الأول إلى الفرع الثاني من أبناء إبراهيم وهو فرع إسماعيل أي العرب بل وإعلاناً بنقل الإمامة المتمثلة في الكتاب والحكم والنبوة إلى أتباع النبي الخاتم سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم ، وقد تحقق هذا بفتح الدنيا شراقاً وغرباً ومنها الأرض المقدسة ، وقد تم فتح بيت المقدس في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه ، وتم فتحه صلحاً وليس عنوةً ، وبدأ بنو إسرائيل المؤمنون بالجبت والطاغوت وعبدة الطاغوت الكافرون بالله تعالى إفسادتهم الثانية لإسقاط الخلافة الإسلامية المحمدية بقتل الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب ثم الثالث عثمان بن عفان ثم الرابع على بن أبي طالب رضي الله عنه حتى آل الحكم إلى أول الملوك معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لتستمر هذه الخلافة الإسلامية ملكاً ورحمة وعدلاً وتطبيقاً لشريعة الله ، لتستمر هكذا حتى نهاية الدولة الأموية ثم خلال عهد الخلافة العثمانية التي دامت خمسة قرون حتى سقطة عام 1924 - 1925 م أي بعد 1288 سنة شمسية ، وذلك بفعل الإفساد المتواصل المتكرر الدؤوب الذي كانت غايته إبعاد المسلمين عن كتابهم وشريعتهم ، ومن ثم تحقق لليهود الملاعين من كفرة بني إسرائيل الخطوة قبل الأخيرة للهدف الرئيسي لإفسادة الآخرة ، فدخلوا فلسطين بعد أن بدأت هجرتهم إليها لفيفاً لفيفاً حتى أعلنوا دولتهم المستقلة عام 1947-1948م. ومن ثم صاروا على بعد خطوة تاريخية واحدة من تحقق وعد الآخرة فيهم
فإفسادة بنى إسرائيل الثانية هي إفسادهم لإسقاط الخلافة الإسلامية المحمدية القرآنية واحتلال المكانة العالية التي كان يحتلها المسلمون فى الأرض بدلا منهم ، ألم يكن يحكم هارون الرشيد الدنيا وتأتيه الجزية ذهباً محملاً فى الصناديق من ملوك الصين وآسيا ومن ملوك الروم وأوربا ؟
ولكن اليهود بعد أن تم لهم إسقاط الخلافة الإسلامية قد علو فى الأرض كلها علواً كبيراً من أجل ذلك الإفسادة الثانية بالعلو ولم تقترن الأولى لهم إلا بالسقوط والانحدار والضعف والذلة والمسكنة لهم
يؤكد هذه النتيجة المهمة قوله تعالى عن الأولى فى السبي البابلي ، ثم عادا لكنهم أبدا لم يتمكنوا من إقامة دولة مستقلة لهم ذات سيادة فى فلسطين حول القدس ، ولا حتى فى غيرها من الأرض إلا عام 1947-1948 ميلادية بمقتضى وعد عد بلفور وتمكين بريطانيا وأمريكا لهم وذلك بعد عودتهم من الشتات لفيفاً
وعلى هذا يكون إقامة هذه الدولة الصغيرة لهم بعد عودتهم من الشتات حيث لم يكن يوجد فى القدس ولا حتى فى فلسطين يهودي واحد يملك شبراً واحداً من أرضها ، يكون هذا الحدث بمثابة إقامة خلافتهم فى الأرض بيد أنها ليست خلافة لله تعالى ولإنما هي خلافة للجبت والطاغوت اللذين يؤمنون بهما ويعملون حسب أمرهما ويعبدونهما من دون الله تعالى ، وهى خلافة لهم فى كل الأرض فى زمن الفساد العظيم ، وتكون دولة إسرائيل المعاصرة هي بمثابة عاصمة خلافة الطاغوت التي تحمل نجمة الطاغوت التي يكذبون ويقولون أنها نجمة داود ، وداود صلى الله عليه وسلم برئ منها ولعنهم من أجل ذلك
هذه الإفسادة الثانية لبني إسرائيل هي في الأرض كلها مع العلو الكبير وقد ارتبط تحققها بعودتهم للقدس وبهدم الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم الذي سيصير معبدا للشيطان كما يخططون ، لكن الله سبحانه سيخرجهم ويدمرهم وسيدخل الله تعالى عليهم المسجد قبل أن يهدموه أولى البأس الشديد الذين دخلوا عليهم أول مرة ، كما دخلوا عليهم المسجد أول مرة في عهد نبوخذ نصر البابلي ملك بابل المعروفة اليوم باسم العراق ، فأولي البأس الشديد هم العراقيون
فقوله تعالى "فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيراً" 7الإسراء ...
يفيد أن المسجد سيكون قائماً عند الدخول عليهم تحقيقاً لوعد الآخرة .
كما أن قوله تعالى عن هذا الوعد و عن الآخرة وليس وعد (ثانيهما) دليل على أن هذا الوعد سيتحقق لهم وعليهم في آخر الزمان وقبيل القيامة الصغرى (راجع موسوعة أشراط الساعة - صدر منها خمسة أجزاء حتى الآن) وهو دليل على أننا في آخر الزمان وشرط تحقق هذا الوعد المجيء بهم من أرض الشتات لفيفا بدليل قوله تعالى عن فرعون ( فأراد أن يستفزهم من الأرض فأغرقناه ومن معه جميعاً ، وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا ) 103 - 104 الإسراء .. أي اسكنوا الأرض من بعد فرعون وارثين لها منه بالخلافة الإسلامية الموسوية التوراتية ، فإذا أطعتم الجبت والطاغوت ودخلتم في طاعته وأفسدتم ، حكمنا عليكم بالشتات في قارات الأرض ، فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا أي جماعات ملفوفين في سفن ضخمة تحمل الآلاف أو الطائرات ، بخلاف قوافل الإبل التي تسير في طرقها متتابعة عرفا عرفا وهي حال مغايرة لحال الملفوفين داخل جدران السفن وكبائن الطائرات ، وهذا ما حدث حتى كانت هجرة الفلاشا من الحبشة منذ أكثر من عشر سنوات فهذا دليل على أن زماننا هذا هو زمان تحقق وعد الآخرة ، وأنه آخره الدنيا وأن قيام هذه الخلافة الطاغوتية اليهودية أمارة دالة على قرب وقوع القيامة الصغرى
وحتى يتبين لنا قوله تعالى ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيراً، إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها، فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مره ، وليتبروا ما علوا تتبيراً ) 6-7 الإسراء
لابد أن نعود إلى الثابت المجمع عليه بين المؤرخين فيما يخص تاريخ بنى إسرائيل من بعد السبي البابلي عام 581 ق م إلى أن دخلوا المسجد الأقصى عام 1947 م ثم 1967 بعلوهم الكبير في الأرض الذي سيطروا فيه من خلال المال والقوة العسكرية والإعلام على أقوى وأعتى الدول وخضعوا معهم وأخضعوها للجبت والطاغوت ، لأنه بدون هذا التاريخ سنضل في تفسير هاتين الآيتين الكريمتين كما حدث للكثير. ومن ثم فلكي نفهم هذه الآيات الكريمات بما يتفق مع تاريخ بني إسرائيل من ناحية ، ومع الواقع المعاصر من ناحية أخرى فيجب علينا أن نعلم ما يلي ونذكره جيداً :ن
1 - بمناسبة إسراء الله تعالى برسوله الحبيب صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قص الله تعالى علينا تاريخ هذا المسجد منذ بدئه إلى منتهى الدنيا يوم القيامة .
2 - سيكون من اليهود أو بني إسرائيل إفسادتان في الأرض مع علو كبير واحد ، والإفسادتان مقرونتان بدولة مستقلة لهم ذات سيادة حول المسجد الأقصى .
3 - لكل إفسادة منهما وعد من الله تعالى بالتدمير وللدخول عليهم المسجد مما يؤكد أن كل إفسادة مقرونة بدولة لهم حوله .
4 - كانت الأولى قبل الإسلام بدليل قوله تعالى ( فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عباداً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً ) 5 الإسراء ، أي قد تم قبل نزول القرآن الكريم وقوله تعالى (عبادا لنا) لا يقتضي أن يكونوا مؤمنين ، كما قد يتوهم البعض خاصة وأن المسلمين لم يدخلوا المسجد الأقصى في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على بني إسرائيل في إفسادتهم الأولى ، وإنما كان دخولهم على الرومان الصليبين .
5 - الثابت من تاريخ بني إسرائيل أن دولة سليمان عليه السلام انقسمت بعد وفاته عام 935 ق م إلى دولتين
أ - مملكة إسرائيل في الشمال وشعبها عشر قبائل .
ب - مملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها القدس وشعبها قبيلتان .
ودب الفساد والوثنية في الشمالية أولاً فكان دمارهم وتشتتهم وانتهاء دولتهم على يد الآشوريين عام 586 ق م .
وحيث أن عاصمة الدولة الآشورية كانت آشور شمال دجلة وأن عاصمة الدولة البابلية كانت بابل جنوب دجلة والفرات فإنه من الواضح أن دولتي إسرائيل ويهوذا دمرهما شعب ما بين النهرين أي أهل العراق .
6 - عاد اليهود إلى فلسطين وعاشوا حول المسجد الأقصى كرعايا لدول أخرى . وليس كدولة مستقلة ذات سيادة ، وكانت عودتهم في عهد كورش الذي لم يسمح لهم بدولة مستقلة .
جاء الاحتلال اليوناني عام 333 ق م ثم جاء الأنباط ، ثم جاء الرومان الذين بعث في عهدهم سيدنا عيسى عليه السلام وقد سمح المستعمر الروماني صاحب السيادة في فلسطين حينئذ أن يقيموا هيكلاً للعبادة من غير أن تكون لهم دولة مستقلة ثم حدث أن أوقع بهم تيطس الروماني سبياً عام 70 م ودمر جزءاً من الهيكل ، ثم تم تدمير بقيته عام 135 م .
وعلى هذا لم تقم لليهود دولة حرة ذات سيادة منذ أن سباهم نبوخذ نصر عام 586 ق م إلى عام 1948 م أي بعد 2534 عاما .
وها هم قد ظلوا في فلسطين أكثر من خمسين عاما ولم يبنوا هيكلهم بعد .. وإن كانوا يستعدون لذلك .
7 - دخل المسلمون المسجد الأقصى في عهد عمر بن الخطاب عام 636 م طارداً منه الروم بعد 969 عاماً من حكم الرومان للشام ولفلسطين وتواجدهم في القدس .
8 - تم استيلاء الصليبيين على بيت المقدس في يوليو 1099 م . ثم استرده صلاح الدين الأيوبي وكان دخول بيت المقدس يوم الجمعة 12 أكتوبر 1187 م وكان موافقاً يوم 27 رجب يوم ذكرى إسراء الله تعالى بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى .
قامت دولة الإسلام في القدس ابتداء من الخلافة الراشدة لقريش ثم الدولة الأموية ثم الدولة العباسية ثم عصر المماليك ثم الدولة العثمانية ، ثم احتل البريطانيون القدس ضمن احتلالهم لأكثر البلاد العربية في الحملة الصليبية الأخيرة .
بدأت الهجرات اليهودية إلى فلسطين والقدس ابتداء من الثلاثينات عقب سقوط الخلافة العثمانية مباشرة ، ثم سلم الإنجليز اليهود فلسطين بمقتضى وعد بلفور وقامت حروب عصابات بينهم وبين العرب انتهت بإعلان دولة إسرائيل عام 1948 م .
وعلى هذا يكون الذين حكموا فلسطين وتواجدوا في القدس منذ السبي البابلي النبو خذي نصري لهم هم :
1 - الكلدانيون ثم الماديون ثم الأنباط وهم جميعاً من بلاد العراق ، والفرس .
2 - اليونانيون وهم أوربيون
3 - الرومان وهم أوربيون
4 - المسلمون وهم من جزيرة العرب .
5 - التتار وهم من قبائل آسيوية.
6 - الصليبيون في حملتهم الأولى وهم أوربيون
7 - العثمانيون الأتراك من آسيا الصغرى
8 - الصليبيون المحدثون من كل أوربا
فإذا نظرنا إلى هذه الشعوب والقوميات والأمم الذين تواجدوا بالقدس بعد السبي البابلي لليهود لتبين أنهم كل أجناس البشر أي البشرية تقريباً.
قال تعالى : ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) ، أي على الذين سبوكم ومن جاءوا بعدهم إلى المسجد لأن الآيات ترتبط بتاريخ المسجد ، وعلى هذا يكون رد الكرة على هؤلاء جميعاً تفسير وتفصيل لقوله تعالى ( ولتعلن علواً كبيراً ) أي سيكون مع إحدى الإفسادتين علو كبير في الأرض كلها ، ولولا أن الله تعالى رد لبني إسرائيل الكرة على كل الذين تواجدوا في المسجد خلال خمسة وعشرين قرناً ونصف من الزمان لما استطاعوا أن يقيموا لهم دولة مستقلة ذات سيادة في فلسطين ذلك أن معنى قوله تعالى : ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم ) ليس على العراقيين البابليين فقط وإنما على الذين جاءوا بعدهم وحكموا فلسطين والقدس وهم الآسيويون ثم الأوربيون أي العالم القديم كله وهو الذي نشأ منه العالم الجديد لأن أمريكا من الروم .
(وأمددناكم بأموال) وقد استولوا على أموال البشر بتحويل النقود إلى ورق بنكنوت وجعلوا الدولار مقياساً للعملات وتحكموا في قيمته وبتحويل ملكيات الشركات إلى سندات وبإنشاء المضاربة عليها في البورصات وشراء أكثر سندات الشركات ومن ثم امتلكوا الذهب والعقار وأما قوله تعالى: (وبنين) أي أمددناكم ببنين فالمال ليس مالهم لكنهم استولوا عليه.
والبنين ليسو أبنائهم ولكنهم يحركون الجيوش لتحارب لصالحهم بأساليب شيطانية ونظام التجنيد الإجباري المعمول به في معظم دول العالم ، حيث تجند حول عمر العشرين .
والحرب العالمية الأولى والثانية والحرب الثلاثينية ، ضد العراق شاهد على هذا ( وجعلناكم أكثر نفيراً ) أي صارت أجهزة الإعلام ملك لهم أو هم يملكون أكثر أجهزة الإعلام في العالم المقروءة والمسموعة والمرئية ، وتلك الثلاثة هي أخطر وسائل تنفيذ مخططاتهم الإفسادية في الأرض ومن ثم فإن البشرية تعيش الآن الإفسادة الثانية مع العلو الكبير في كل الأرض .
وعلى هذا فالبشرية تنتظر وعد الآخرة قال تعالى : ( فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مره ) 6 - الإسراء . أي يتحقق وعد المرة الثانية والأخيرة بدخول المسجد عليهم وتدمير عدوهم لكل ما يعلو عليه من أرض إسرائيل .
وفي قوله تعالى ( ما علوا ) دليل على أن أكثر التدمير بالصواريخ وبالطيران . فمن هم هؤلاء الذين سيدخلون عليهم المسجد ؟
هم الذين دخلوه عليهم أول مرة أي في عهد نبوخذ نصر البابلي ومن ثم يكون الموعود بدخول المسجد على بني إسرائيل قبل أن يهدموه ، هم أهل دجلة والفرات أي العراقيون كما دخل عليهم أول مرة الآشوريون ثم البابليون إي العراقيون بتسمية العصر .
ويكمن سر هذا الفهم قي قوله تعالى ( كما دخلوه أول مرة ) أي أن الذين يدخلون عليهم في هذه المرة الأخيرة المعاصرة ، هم الذين دخلوه عليهم أول مرة .
أما الذي يكون في عهده هذا الدخول فهو السفياني الصخري في السنة النبوية الآشوري عند أشعياء ، البابلي عند حزقيال و ملك الشمال عند دانيال .
وبإذن الله تعالى يدخل عليهم قبل أن يهدموا المسجد ليقيموا الهيكل لقوله تعالى ( وليدخلوا المسجد ) وهذا يفيد دخوله قبل أن يقيموا هيكلهم محله .
أسأل الله تعالى أن يعجل بهذا اليوم ألا إن نصر الله قريب

نهاية إسرائيل في سفر حزقيال
وإذا كنا قد علمنا أن قول الله تعالى ( وقضينا إلى بنى إسرائيل لتفسدن فى الأرض مرّتين ولتعلن علواً كبيراً ) بمعنى أخبرناهم في كتابهم بما سيكون منهم من إفساد في مقتبل الأيام فإنه يكون من المؤكد وجود أخبار الإفسادتين والعلو الكبير في الأرض في كتابهم إلا أن تكون يد التحريف الآثمة قد طالتها وحذفتها أو حرفتها تحريفا بشعا يخفي معالمها ، ولكن رغم قوة احتمال التحريف فإن هذا الاحتمال لا يجوز أن يمنعنا من البحث في كتابهم عن هذه الأخبار ، وقد تم هذا بعون الله وتوفيقه وتسديده فوجت نصوصاً في أسفار أشعياء وأرمياء وحزقيال ودانيال وغيرهم عليهم جميعاً الصلاة والسلام ، وحيث لا يسمح المجال بهذا التفصيل فسأقصر الكلام عن أخبار الإفسادتين في سفر حزقيال عليه السلام . جاء في الإصحاح الحادي والعشرين من سفر حزقيال ما نصه ( وكان إليّ كلام الرب قائلاً : وأنت يا ابن آدم عين لنفسك طريقين لمجيء سيف ملك بابل ، من أرض واحدة تخرج الاثنتان . واصنع صوّة على رأس طريق المدينة اصنعها . عين طريقاً ليأتي السيف ربة بني عمون ، وعلى يهوذا في أُورشليم المنيعة . لأن ملك بابل قد وقف على أم الطريق على رأس الطريقين ..... 18 - 21 ) ومن الواضح أن عبارة ( وأنت يا ابن آدم عين لنفسك طريقين ) خطاب من الوحي لابن آدم الظالم القاسي الموغل في الإجرام الذي استحق العذاب الدنيوي الشديد على يد قوة عسكرية عاتية هي جيش ملك بابل ( لمجيء سيف ملك بابل ) وبابل هي العراق . ولكن لماذا سيأتي هذا الجيش من طريقين ؟
الإجابة ( من أرض واحدة تخرج الاثنتان ) إذاً الجيشان والطريقان ليسا لمرة واحدة ، ومن ثم فهما ليسا في زمن واحد وإن كانا من أرض واحدة هي أرض بابل ، والدليل على هذا قوله ( الاثنتان ) بصيغة المؤنث باعتبار وجود محذوف تقديره الضربتان الاثنتان أو المرتان الاثنتان وتفسير قوله ( واصنع صوة على رأس طريق المدينة اصنعها ) أي العلامة التي توضع على مفترق الطرق مكتوب عليها الطريق المؤدي إلى المدينة المختارة واسم المدينة .
وتفسير قوله ( عين طريقا ليأتي السيف على ربة بني عمون ) إثبات لوجود طريق من بابل ( العراق ) إلى ( ربة بني عمون ) أي عمان إشارة إلى الأردن ، لأن الطريق من بابل إلى أورشليم ( القدس ) لابد أن يمر بعمان ( وربة بني عمون ) صنم كان يعبده سكان هذه المنطقة قديماً ، وليست عمان هي المقصد النهائي أو المحطة النهائية لجيش ملك بابل في المرتين وإنما الموعد القدس ( وعلى يهوذا في أورشليم المنيعة ) وهذا يكون في المرتين . أما لماذا صار الوصول في كل مرة خلال طريق مختلف عن طريق الأخرى ، فلأن بين المرة والمرة مئات السنين والطرق تتبدل ، ولأن خروج الأولى من بابل على وجه التحديد وخروج الثانية من عاصمة الرشيد بإذن الله تعالى ، وفي المرتين يكون ليهوذا ( اليهود ) دولة في أورشليم ، وفي المرتين تكون منيعة أي أقوى عسكرياً .
ثم يمضى السياق متحدثاً عن المرة الأولى فيقول ( لأن ملك بابل قد وقف على أم الطريق ، على رأس الطريقين ، ليعرف عرافة ، صقل السهام سأل بالتراقيم نظر إلى الكبد عن يمينه كانت العرافة على أورشليم لوضع المجانق لفتح الفم في القتل ولرفع الصوت بالهتاف لوضع المجانق على الأبواب لإقامة مترسة لبناء برج ... 21 -23 )
ومن الواضح أن هذه المرة هي التي حدثت بقيادة نبوخذ نصر ، وهي أولهما التي لا يتم لجيوش هذا الزمان تحقيق النصر إلا باقتحام الحصون وتحطيم الأبواب والأسوار ودخول المدينة وجوسان الجيش الغازي خلال شوارع المدينة وأزقتها بين الديار ، قال تعالى ( ... فجاسوا خلال الديار ... ) والمرة الأولى كانت دولة اليهود الجنوبية التي كانت عاصمتها أورشليم ( القدس ) اسمها يهوذا ولم يكن اسمها إسرائيل ، لأن ( إسرائيل كان اسم الدولة الشمالية التي قضى عليها سنحاريب الآشوري قبل مجيء نبوخذ نصر بقرابة 135 عام
كذلك كان حكام دولة يهوذا ملوك ، فلم يكن يعرف النظام الرئاسي في الزمن القديم .
أما اليوم في زمن المرة الثانية والأخيرة لهم فقد أطلقوا على دولتهم حول القدس اسم إسرائيل ونظامها الرئاسي الديمقراطي كما هو معلوم ( أرى أن الديمقراطية كذبة كبرى على الشعوب ) وكانوا في المرة الأولى مسلمين عصاة فسقه لازالت فيهم مقومات الإمامة : الكتاب والحكم والنبوة ، أما في هذه المرة فقد صاروا كفاراً خارجين على الملة الحنيفية عباداً للطاغوت أي أنهم صاروا رؤوس الفساد في الأرض .
ومن ثم جاء الكلام عن بني إسرائيل فيه هذه المرة مشتملا على هذه الأحوال التي تميزهم عن المرة الأولى فقال ( وأنت أيها النجس الشرير رئيس إسرائيل الذي جاء يومه في زمان إثم النهاية هكذا قال السيد الرب ... 25 )
فقوله ( النجس ) : أي الكافر المشرك لقوله تعالى : ( إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ) 28 التوبة ، وقوله ( الشرير ) إثبات لما عليه رئيس إسرائيل وجيشه وشعب إسرائيل من حقد وغل وعنصرية بغيضة جعلتهم يستمتعون بقتل الفلسطينيين والعرب حتى الأطفال والأجنة ... وقوله ( في زمان إثم النهاية ) أرى أنها ترجمة غير دقيقة وركيكة لنص الوحي الذي لابد أنه كان في الحقيقة ( إفسادة الآخرة ) والنص فيه الوعيد له ولجيشه ولشعبه بقوله ( الذي جاء يومه ) في زمان أثم النهاية أي نهاية الدنيا .
والنص طويل يتحدث عن التهلكة التي ستصيب شعب إسرائيل حتى تقضي على أكثر رجالهم فلا تقوم بعد هذه المرة قائمة بتفصيل دقيق أوردته في كتاب ( البيان النبوي لأشراط الساعة ودخول جيش العراق القدس ودمار إسرائيل ) الصادر عام 1997 م وهكذا تفسر عبارة حزقيال عليه السلام ( من أرض واحدة تخرج الاثنتان ) قوله تعالى في الوحي الخاتم ( ... وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) بعد أن جاء الله بهم لفيفا ، فلا يكون تحقق وعد الآخرة إلا على يد أهل دجلة والفرات ، ألا من جنان فليسمع ، ومن له عينان فليقرأ

 

عودة الى الصفحة الرئيسية